جورجيت شرقاوي تكتب: الضباط الأحرار والتكامل الوطني للأقباط

جورجيت شرقاوي
جورجيت شرقاوي

كان الأقباط أول من أيد حركة الضباط الأحرار، منذ ليلة 23 يوليو، وحظي تأييد المجتمع القبطي بغالبيته للخطوات التي اتخذتها الثورة عقب نجاحها لاستكمال أهدافها، وتكونت جمعية التوفيق وهي أول مجموعة قبطية رسمية اعترفت بالثوار وتزامنت فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتغيرات داخل الكنيسة القبطية تمثلت فى وصول البابا كيرلس السادس إلى مقعد البابوية،متطلعا إلى بدايه جديدة بالدولة ؛اذ حرص الضباط الأحرار علي القيام بزيارة للايبارشيات بطريقه تنظيميه في كل محافظة، وحاولوا فيها تجديد الثقه مع الاقباط بطمأنتهم من حيث وجودهم معا كشركاء للوطن في الوضع الجديد، و بعثوا تهنئه عبر الاذاعة بعيد الميلاد المجيد آنذاك، و وافق مجلس قيادة الثورة على طلب البابا يوساب الثانى بمنح‏ ‏العاملين‏ من ‏الأقباط‏ ‏٥ ‏أيام‏ ‏إجازة‏ ‏فى الاعياد ، وهو لايزال يطبق حتي الآن. 

والسماح‏ ‏بالتأخير‏ ‏ساعتين‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أحد‏ عن المعاد الرسمي ‏لحضور القداس، وبنيت في عهدة كاتدرائية العباسية وقام بسداد عجز ميزانية البطريركية.

 والحقيقه انه طبيعه الرئيس عبد الناصر علي الفترة جعلته يحرص علي مد جسور التواصل مع جميع طوائف المجتمع، ومن مكتسبات الثورة تأسيس نظام الدوائر المغلقة بعد الغاء الاحزاب،ثم سلطه التعيين المطلق لرئيس الجمهورية، ولم يكن ملف قانون الاحوال الشخصية للطوائف غائبا ،بل ارسلت جمعيه"الاخلاص" برقيه تطالب فيها بالنظر للقانون.

لقد حرص الزعيم عبد الناصر علي ترسيخ حقوق المواطنه الحقيقيه كحق اصيل بدون زخم و لا متاجرة بالقضيه ،لقد ركزت القيادة السياسيه علي احتواء الاقباط تلقائيا و قرأه مخوفاهم و استمع قضيتهم، بدون ان يطلب احد القيادات الدينية منهم ذلك ،فلقي جس النبض في الأوساط القبطية صدي واسعا ،واستمرت أوضاع المكون المسيحي في التحسن والاندماج مع الجماعة الوطنية في كافة مناحي الحياة، و خرجت مزاعم حديثه لمؤرخين يهود تطعن في التكامل الوطني الذي صنعه و يشككون في نيه الرئيس الراحل حول بناء الكنائس ،و علي العكس تماما لم يكن هناك توتر للتميز الطائفي حتي تظهر مشكلات تتعلق بالبناء او رفض للاخر ،لأن الثورة حرصت علي تقليل الفوارق بدون أرضا خصبه لذلك ،بل شهدت تلك الفترة محاولات لضرب العلاقه الثنائية الاستثنائية مرارا و تكرارا، و الحقيقه انه قبل الثورة وقع نزاع طائفي و احترقت كنيسة في السويس في أعقاب أعمال الشغب بين الاقباط و الاخوان و الذين كانو يعاقبونهم علي وقوفهم مع الجيش و منذ الوهله الأولي ارتبط تاريخ الاخوان بالتجسس لصالح بريطانيا، فسعى الرئيس محمد نجيب ايضا إلى تعزيز صورة الوحدة الوطنيه و استحضر ثورة ١٩١٩، و أرسل أيضاً رئيس اتحاد القبطي زكي شنودة المحامي برقية أعلن فيها تأيدة المطلق للثورة ،و كذلك برقيات تأييد من الطائفه الكاثوليكية و المجلس المللي الانجيلي ،و أقامت بطريركية السريان الأرثوذكس في القاهرة صلوات ،و طالب الحزب الديمقراطي المسيحي بتحسين أوضاع الفلاحين.

قد يظن الاقباط ان الحقبه الملكيه الانسب من حيث المواطنه و لكننا نجد ان للكنيسة المصرية لم يكن لها دور واضح في الشأن العام خلال تلك الفترة؛ وكان ظهور الرموز الدينية في الأحداث العامة علي نطاق ضيق، وتتعلق بالقضايا ذات الإجماع الوطني مثل مقاومة الاحتلال، و لكن في عصر عبد الناصر استعان بالتكنوقراط الأقباط في حكوماته، من بينهم وزير التموين والمواصلات، كما عين عشرة أعضاء مسيحيين في البرلمان وفقاً لتعديل أدخله على دستور 1956 ،وتبدلت فلسفة العلاقة بين السلطة ورموز المسيحيين المصريين؛ إذ بدلاً من تواصل السلطة بالمكون المسيحي عبر بوابة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ،أصبح للكنيسة دورا سياسيا بداية من البابا وانتهاءً بالقساوسة الذين شاركو في المظاهرات ،و لم ينسحب المكون المسيحي فحسب، و لكن لزم ابراز معادلة السلطة الكنسيه و اقحامها في هذه الاستراتيجية طبقا للمعطيات التي فرضت نفسها علي المشهد العالمي و التي كانت مصر جزئا منه، مع تطلعات الغرب بحجه حماية المسيحين التي أبطلتها الكنيسه الاصيله جنبا الي جنب، فلم يكن التدخل الاجنبي لحمايه الاقليات معني في ذلك التوقيت و امتد الي قرار تأميم قناه السويس ،فنجد ان في السابق ،أعلن الإنجليز في 28 فبراير عام 1922 تصريحا أثار تحفظاتهم ،ومنها بقاؤهم في مصر لحماية الأقليات، و الذي تصدي لهم القمص سرجيوس الوطني عندما وقف على منبر الأزهر ليقول "إذا كان الإنكليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية القبط، فأقول ليمت القبط وليحيا المسلمون أحرارا". وكانت عبارت رنانه بالغه و كافيه وضعت خطا قاطعا ، و بالمثل قامت الكنيسه بعقد عدة مؤتمرات للرد علي مؤتمر لندن بعد التأميم و كذلك بعد الجلاء، و بعثوا برقيات احتجاج إلى سفراء الدول.

و وظف الزعيم الراحل فكر الاقباط و طاقتهم الذي تكون ايام الملكيه وانفتاح المكون المسيحي على المجتمع خلال تلك الفترة و دفعهم بقوة في القضايا العامة، و طفت منظمه الشبان القبطية النشطة، التي أصبحت ارضا خصبة للتعبير عن حقوق الإنسان للجميع و ليس الاقباط فقط، و شهدت الجامعه حراكا، و لاشك أن كل ردود الفعل إنما تنم عن مدى رضا الاقباط بالنظام الجديد، ومدى تجاوبهم ،فكانوا من المطالبين بالنظام الجمهوري الذي يعد في نظرهم  أقرب الانظمة الصالحه.

و شهدت العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس عبد الناصر التي تميزت ب "الكيمياء المتبادله"، و التي اظهر الرئيس عبد الناصر قدرته في كيفيه اكتساب الكنيسة كشريك اساسي أمامه بدون التدخل في الشأن الداخلي لها بعد ان أمهل الكنيسه وقتا لتتعافي بعد احداث البابا يوساب ،عدا ابطال انتخابات المجلس الملي الذي كان يُدير شؤون الكنيسة،

ومع مرور الوقت تغلب علي تحفظات الاقباط الذين شعروا بعدم تمثيليهم فى تركيبة الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة، و لذلك رسمت تلك الفترة طبيعة العلاقة المتزنة النموذجيه ؛إذ لعبت الكنيسة المصرية دوراً سياسياً هاما و خاصه في اثيوبيا، و من خلفها المكون المسيحي و العلمانيون و انفتح على الجماعة الوطنية والسلطة من بوابة المساواة والمواطنة والشراكة، فلم تشهد مصر طوال حين ذاك أحداثاً طائفية، فأخذت تطور العلاقه بين الرئيس الراحل و الكنيسه مرورا بأهم محطتين و هم محاوله اغتياله و الموقف الكنسي من اسرائيل.

و قد يظن البعض ان اسوأ قرار قام به الرئيس الراحل هو التأميم ،اذ شهد الاقباط خسائر اقتصادية دون النظر لفئه الفلاحين الاقباط التي تحسنت احوالهم،  لذلك كانت طبقة الاغنياء من أشد 
المعارضين لسياسات ناصر الإصلاحية ،وفي المقابل تأسست كنائس المهجر و بسط النفوذ المصري في افريقيا و فتحت ابوابها للخدمه ،و بعد تأسيس هيئة الأوقاف القبطية، فكان امينا في رد بعض الأوقاف التى تم تأميمها للكنيسة للإنفاق منها.
و لم تظهر هذة العلاقه الثنائيه الناجحه الا من خلال البابا تواضروس الثانى والرئيس «السيسى».

سيظل الضباط الأحرار رمز عبر التاريخ لأجيال تسلم اجيال ، حيث تكونت ذاكرة وطنية واضحه للمصريين ما زالت صالحة للاستخدام إلى وقتنا الحالي، لا تفرق بين المسلم والمسيحي؛ إذ ما يزال شعار "عاش الهلال مع الصليب" وشعار "الدين لله والوطن للجميع" له صدى في آذان المصريين، و خلق مناخ أكثر احتراما لحقوق الإنسان ودمجا لمكونات الشعب في بوتقة الدولة الوطنية ،و من بعد رحيل الرئيس عبد الناصر ، شعر الاقباط بفراغ ايدولوجي اثر في مسيرتهم ، و يكفي ان كان له الفضل في أصلاح الوضع المالي في الكنيسه و التي نتج عنه فائضا في البنوك و لذلك خيم الحزن علي الاوساط القبطيه.